عام يمر على وفاة أخي يوغرطة بن علي، لا يكاد يمر يوم لا أتذكره فيه.
عام يمر على هذه التدوينة أيضا، بين متردد ومتأسف، لم أتخيل يوما أني سأكتب هكذا تدوينة عن أخي يوغرطة، لم أستطع إكمالها على أهميتها، لكن هاهي أطرحها اليوم، كأبسط واجب لصديقي العزيز. واجبٌ هو أن أذكر محاسنه، واجبٌ هو أن أنقل نظرته وتطلعاته لجزائر أفضل من الناحية التقنية على الأقل. حريٌّ أن يُشاد به ويُضرب به المثل.
كان من أقرب الأصدقاء إليّ، وتشرفت أن كنت من أقرب الأصدقاء إليه. كنا نتحادث بشكل شبه يومي، وأحيانا كثيرة بشكل يومي، على بُعد المسافة بيننا. لم يكن يُخرج مشروعا ولا حتى تدوينة دون أن يمر علي لطلب الرأي والمراجعة.
سأحكي لكم عن أخي وصديقي يوغرطة بن علي، شاب خلوق، جزائريٍّ أحب الجزائر، أمازيغيّ أحب العربية، مُثقف يحفظ القرآن، شغوف بالتقنية متدين، بالبرمجيات مفتوحة المصدر مُولَع. إنه ببساطة، مثالٌ لكل شاب جزائري.
كان صيف عام 2010 أو قبله بأشهر، تعرفت على أخي يوغرطة رحمه الله، منذ ذلك الحين، عملنا معا، تشاورنا، تقاسمنا الكثير، لم ينقطع الاتصال بيننا، كانت اتصالاتنا الهاتفية تدوم لعشرات الدقائق، أحيانا نتجاوز الساعة، وفي فترات كثيرة نتكلم بشكل يومي. هكذا بقينا إلى آخر أيامه، بعد عقد من الزمن، وفي 17 أفريل/نيسان على الواحدة صباحا، فارقنا يوغرطة. أجمع هنا ملخصا لخصاله وحياته وما تعلمت منه.
كانت بداية البداية في مجتمع لينكس العربي، واحد من أحسن المنتديات التقنية العربية آنذاك، نشر يوغرطة أول أخباره التقنية هناك، أعجبت بها وبأسلوب كتابتها، عرضت عليه الانضمام معه للكتابة. أتذكر دردشتنا الأولى ولمرة واحدة في MSN Messenger آنذاك لننتقل سريعا إلى gmail chat/hangout، قَبِل بالعرض ومنذ ذلك الحين، تطورت علاقتنا بشكل سريع، كانت بيننا قواسم مشتركة كثيرة، منها أسلوب الكتابة.
كنت حينها طالبا جامعيا، في ما كان هو حديث عهد بتخرج من المدرسة العليا للإعلام الآلي - ESI، جمعنا شغف التقنية، المصادر المفتوحة وإثراء المحتوى العربي، كان يوغرطة أيضا مُشرِفا في developpez.com المنتدى الفرنسي المشهور الذي يجمع مطورين مخضرمين، لقد كان يصحح للفرنسيين فرنسيتهم، يُصَوِّب مواضيعهم، وحتى يستقبل سِيَرهم الذاتية ويقوم بفرزها قبل أن يركز على المجلة التقنية وينتقل لإثراء المحتوى العربي.
كانت لدينا قوائم RSS نستقي بها الأخبار من مصادرها العالمية، زيادة على متابعتنا المكثفة للشبكات الاجتماعية، كنا نتحرى الدقة، نتعب في الترجمة، نختار ما يُثير اهتماما، ونستمتع بذلك. شخصيا، تعلمت كثيرا مما كنت أترجمه.
كانت ميزة المجلة التقنية، كما يسميها يوغرطة: “المحتوى الدسم”، حيث كانت أخبارنا التقنية أكثر تفصيلا، قائمة بذاتها، مُشبعة بحيثيات ما نكتب عنه. كنا نتحرى سلامة اللغة، أكتب فيراجع مقالاتي في المُسودة قبل النشر، ويكتب هو فأراجع مقالاته قبل النشر. وأحيانا نطلب مراجعة أشخاص آخرين. في حين كان السائد في أغلب مواقع التقنية آنذاك هو المقالات “العاجلة” والسريعة، البعض منها كان يحاول حتى اخفاء “المصدر”. كانت المجلة التقنية الموقع الجزائري الوحيد تقريبا (مع كرهنا لكل ما هو “أول” و"أكبر" و"أضخم") المتخصص في الأخبار التقنية باللغة العربية، كانت المجلة تزاحم مواقعا خليجية وشرق أوسطية، مثل تيدوز، عالم التقنية، البوابة التقنية، وادي التقنية، عالم آبل، وغيرهم.. كانت لديها جمهورها الخاص ومتابعون أوفياء.
أَحَبّ يوغرطة اللغة العربية، كان حريصا جدا على سلامة المقالات، العناوين وحتى تغريداته على Twitter. لغة، إعرابا واصطلاحا. بل تعدى ذلك حتى إلى تشكيل ما أَمكَن تشكيله. وأحيانا لا نجد بديلا عربيا لبعض المصطلحات التقنية فنُمضي الكثير من الوقت في استحداث أقرب بديل. كنا نرجع لقاموس arabeyes آنذاك، ونبحث في المعاجم على الويب. كنا نحترم أسماء العَلَم الأجنبية، فنتركها بالاتينية، كأسماء الكُتَّابِ الأجانب (عند ترجمة المقالات)، العلامات التجارية، .. الخ، مثلا لم نكن نكتب “مارك زكربرغ” عوض Mark Zuckerberg، ولم نكن نترجم Apple إلى ابل، أبل أو آبل، بل نتركها كما هي: Apple، حتى يَسهُل على القارئ العربي البحث عن المصدر أو فهم ما يُكتب. أحيانا نُبدع لها أوصافا مثل “التفاحة المقضومة”، “شركة التفاحة”، أو شركة “القبعة الحمراء” عند الحديث عن RedHat مثلا، في سياقٍ غير ذي لُبس ترويحاً عن القارئ العربي.
ببساطة كانت للمجلة نسق معين في كتابة المواضيع، تستدرج بالقارئ في التفاصيل كلما واصل قراءة المقال. ثم تختم بسؤال أو أسئلة لتحفّز التفكير النقدي للقارئ أو تشجعه على ترك رأيه في تعليق.
نالت المجلة التقنية جائزة Arabisk Awards لأفضل مدونة تقنية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA) لعام 2011. وجائزة أحسن مدونة في الجزائر في مسابقة Algeria Web Awards لعام 2012.
عام 2011، وفي خِضم كل هذا، أنشأ يوغرطة شركته الناشئة ليُطلق منصة Walletix للدفع الالكتروني عبر الموبايل (m-payment)، في وقت كانت قِلة قليلة تسمع أو تعرف مصطلح Startup وفي حاضنة سيدي عبد الله. لقد كان حقا مشروعا مثيرًا للاهتمام، يستهدف عامة الناس التي لا تملك حسابا بنكيا (unbanked)، لم يكن هناك البطاقة الذهبية للبريد، ولا حتى بنكية CIB ولا دفع الكتروني رائج وقتها، لكن أغلب المجتمع الجزائري كان يملك هاتفا نقالا، كانت Walletix محفظة يُمكن مَلؤها برصيد الهاتف النقال ثم التسديد عبرها لكل الخدمات والمتاجر الالكترونية التي كان يوغرطة يحلم أن تُوفر Walletix كوسيلة دفع بعد التعاقد معها، لقد قام حتى بتوفير واجهة برمجية لها API ليتمكن كل صاحب موقع بدمحها، ووفّر مكتبات برمجية جاهزة (wrappers) بمختلف لغات البرمجة (php, Python, Java… الخ). لم تكن مجرد منصة فقد أرادها أن تكون payment processing platform, SMS gateway, Public API and SDK، في جزائر 2011 لم يكن هذا بالسهل، لم تكن هناك منصات تباع وتشترى، لم تكن هناك منصات مفتوحة المصدر لتُغَيّر جِلدها ثم يُغَنَّى بـ"اختراعها" و"ابتكارها".
فاز يوغرطة بمشروعه Walletix كأفضل شركة ناشئة جزائرية لعام 2011 في مسابقة US State department PNB NAPEO واستفاد على إثرها من تربص لبضعة أشهر في الولايات المتحدة الأمريكية.
ضمّني للمشروع قبل عودته من الولايات المتحدة، قمنا بعرضه هنا مرة أخرى في مسابقة تابعة لأحد متعاملي الهاتف النقال، بعدها حاول يوغرطة نيل استثمار وتجسيد المشروع، لكن قوبِل بجبال من العراقيل، البيروقراطية والفراغ القانوني مما جعل مشروعه ليس فقط صعب التجسيد، بل “مستحيل” التجسيد آنذاك. حتى تم، حرفيا وفعليا، اليأس من المشروع.
مع مرور الوقت وبعد حوالي عامين (2013) ، أصبح يصعب متابعة الأخبار التقنية والكتابة عنها بشكل دائم، فلم تكن المجلة التقنية -والويب العربي عموما- مصدرا ﻷي دخل يمكن الاسترزاق منه، ارتأينا أن نركز على المقالات “الدسمة”، ثم بعدها انتقلنا للكتابة المتخصصة، فأنشأ يوغرطة موقع webtuts.me موازيا للمجلة التقنية لنشر دروس تطوير الويب، وموقع socialmedia4arabs المتخصص في الشبكات الاجتماعية من حيث التسويق، الاستعمال، والأدوات المتوفرة حولها. وقمت أنا بإنشاء موقع arabicgit.com لنشر دروس إدارة المشاريع البرمجية. كانت هذه المواقع تحت شبكة واحدة تُروج لبعضها البعض.
بالموازاة مع هذا، انضم يوغرطة إلى مجتمع موزيلا العربي، كمتطوع ومترجم لمحتوى Mozilla إلى اللغة العربية، ثم إلى ترجمة واجهة متصفح Firefox نفسه، كان في فترة من الفترات يترأس الفريق العربي للترجمة Head of Arabic localization efforts.
نهاية 2014، اشترت شركة حسوب (hsoub.com) كل من webtuts.me وsocialmedia4arabs و arabicgit ونقلت المحتوى إلى “أكاديمية حسوب”، أين عملت مع يوغرطة في إدارة، ترجمة ونشر المقالات هناك وجدولتها. عملنا في حسوب، هو كمدير لأكاديمية حسوب، وأنا بدوام جزئي لحوالي عامين. لقد قام بإدارة وترجمة مقالات من DigitalOcean، tutsplus, smashing magazine وغيرها، بل كان يتواصل شخصيا مع أصحاب مدونات ومواقع عالمية معروفة ليطلب الإذن بالترجمة. وربما يشهد رواد أكاديمية حسوب و مجتمع حسوب (io.hsoub.com) بجودة المحتوى على أكاديمية حسوب. ويشهد من تعاملوا معه وترجموا له المقالات بحُسن خلقه ومعاملته.
يوغرطة النجيب
يُتعبك يوغرطة حتما إذا أردت مجاراته في قراءة الكتب، لقد كان مطالعا ناهما للكتب، كان يذكر لي أنه لا يمكن أن يمر عليه يوم بدون قراءة جزء من كتاب، يمكنك معرفة ذلك بالاطلاع على المجلة التقنية، التي حولها في السنوات القليلة الماضية إلى شبه مدونة شخصية ينشر فيها ملخصات الكتب التي يقرؤها بعد انقطاعنا عن كتابة الأخبار التقنية فيها.
لقد كان منضبطا جدا في حياته، وقت عمل محدد، وقت نوم محدد، وقت قيلولة محدد ووقت قراءة محدد. ينهض باكرًا وينام باكرًا. كان أحيانا يعاني من آلام في الظهر، أجبرته لفترة ما على العمل مستلقيا، إلا أني لم ألحظ منه نقصا في الانتاجية أو الانضباط.
بعد شبه يأسه من الساحة التقنية الجزائرية، اختار يوغرطة العمل عن بُعد، استقلت أولا من دوامي الجزئي في حسوب لأركز على هندسة البرمجيات ثم تبعني هو في ما بعد واستقال منها كمدير لأكاديمية حسوب، ليعمل أيضا كمهندس برمجيات مع مختلف الشركات الأجنبية عن بُعد حتى آخر أيامه.
كنا نتناقش كثيرا مختلف لغات البرمجة، مختلف الأدوات، قواعد البيانات، مستقبل منصات التطوير والمشاكل التقنية التي نواجهها في العمل وكيفية تعاملنا معها وحلّها. كان رحمه الله باحثا عن الحلول، يجربها ويقترحها على عملائه بجُرأة.
كان يدون بعض الحلول التي يتوصل إليها وأحيانا ينشرها في مدونته للجميع.
لم نكن نتقاسم نفس لغات البرمجة التي نعمل بها، لكن نتقاسم الكثير من الأدوات الأخرى، كما نتقاسم حبنا للمصدر المفتوح والترويج له والتشجيع على استعماله.
ربما قد يتعجب الكثير إذا ذكرت أن يوغرطة كان يشتري الكتب والدورات التي كان يريد قراءتها، ويتواصل مع أصحابها للحصول عليها بشكل شرعي، لم يكن يستخدم البرامج المقرصنة أو التي لا يملك لها رخصة، وهذه كانت أحد أسباب انتقاله إلى لينكس والمصادر المفتوحة.
لازلت أتذكر دردشتنا حول Arch Linux حين جررته لها وأجبر نفسه على تعلمها، دردشتنا حول مشاكل KDE، تعريفات الشاشة، البطارية، نظام الملفات والمشاكل التي واجهته.
نقاشاتنا على الخصوصية، الأمن، تحولنا الكلي لـ BitWarden لإدارة كلمات المرور، عزمه على تعلم لغة Go، ثرثرتي حول Rust، ونيته الاطلاع على Kubernetes، كل هذا خلال آخر أشهر له قبل مرضه.
لا يكاد يمر عام إلا وقد جربنا على الأقل مشروعين أو ثلاثة:
- شاركنا معا في Y Combinator بمشروعه Passowrdless، للأسف لم يتم اختياره.
- شاركنا في f6s حاضنة مشاريع أخرى.
- عملنا على مشاريع أخرى مثل: todocol و Botmarker لتويتر و BookmarkingBot لـ Slack.
- كان يرسل لي كل Chapter من كتابه Laraval Testing 101 لمراجعته.
- ساعدني في ترجمة وتدقيق Semantic Versioning أو (SemVer) اختصارا.
- راجعنا وناقشنا الويب الجزائري، فكلانا كان ضمن لجنة تحكيم Algeria Web Awards في طبعتها الأخيرة (2019) على الأقل.
كنا نتابدل كل شيء تقريبا، كل تعديل على CV خاصته (وصل للنسخة 12 منه)، كل عرض عمل، كل Landing page لمشروعاته.
آخر لقاء لنا على أرض الواقع، جالسا بجانبي، يدافع بشراسة عن جودة الانتقاء والمحتوى عند اجتماع لجنة تحكيم Algeria Web Awards.
كنا نتبادل Thread على Gmail بعنوان Regret::Status() يقوم فيه بزيادة عدد مرات الفشل ب +1 في كل مرة يفشل فيه، لم يكن يمل من الفشل.
من كثرة المحاولات، كان لدينا مصطلح yAKP اختصارًا لـ yet Another Khorti Project و Khorti تعني باللهجة الجزائرية “خرطي” أي شيء لا يستحق المتابعة، كنا نطلقه على كل مشروع فاشل أو فكرة لا نرى جدوى المتابعة فيها.
يوغرطة زْدَك
زدك، كلمة باللهجة الجزائرية، ربما معروفة أكثر في نواحي الجلفة، هذا ما كان يقوله لي عندما كان يريد شكري على الهاتف أو عندما يتهكم على أحد عثراتي، بعد مماته تذكرت مباشرة هذه الكلمة، وعرفت أن وصفها ينطبق تماما عليه.
مع كل هذا، لم أسمع من يوغرطة كلمة عيب واحدة، كان يحرجني باحترامه مع أنه يكبرني سنا بعامين أو ثلاثة، لم يتردد في استشارتي وطلب رأيي، كانت آراؤنا تختلف في كثير من المواضيع، لكن لم نصل يوما إلى نقاش جارح أو حتى حاد. كان يدور في ذهني رأيه المخالف، ويدور في ذهنه رأيي المخالف، ثم نلتقي أكثر تفهما في نقاشات قادمة.
مدافع عن الخصوصية - Privacy
كان -رحمه الله- مدافعا شرسا جدا عن الخصوصية، آخر أيامه كانت اجتهادا متواصلا للتخلي عن منتجات Google أو ما يعرف بـ De-Google، كان يتجنب استخدام متصفح Chrome، ويفضل FireFox، كما تخلى بشكل شبه كامل عن بريد GMail وعوضه بـ ProtonMail، هذه بضع مقالاته حول الموضوع:
- الاستفادة من Youtube من دون GMail.
- التخلي عن Google Play Service في الهاتف باستخدام نسخة مفتوحة من نظام Android.
- لم يكن حتى يرفع صورا على Drive أو Google Photo وفي وقت ما استخدم NextCloud كبديل لبعض منتجات Google، منها تخزين جهات الاتصال Contacts.
منذ سنوات أغلق حسابه على Facebook، فلم يكن يحتمل ممارساته ضد خصوصية المستخدم، ولم يكن يشجع البتة على استخدامه. كان جُل نشاطه على تويتر في ما يخص الشبكات الاجتماعية.
عموما، لم يكن يحب هيمنة الشركات التقنية وبسط سيطرتها أو احتكارها على الأسواق والدول لتكون تحت رحمتها.
هوية جزائرية
مما كان يثير إعجابي في أخي يوغرطة رحمه الله، أنه أمازيغي محب للغة العربية، من عائلة محافظة، تعلم وحفظ القرآن في صغره، يتكلم أربع لغات بطلاقة، محب للجزائر ويتعامل باحترام مع الجميع بغض النظر عن موطنه أو عرقه.
لم يكن يخجل باسمه، بل يحب الكثير من التسميات الأمازيغية التي تحمل معاني نبيلة، كما لم يكن يميل إلى تسمية الأبناء ببعض التسميات الدخيلة على اللغة العربية أو الأمازيغية.
اندهشت أول مرة عندما ذكر لي أنه يتحادثون باللغة الأمازيغية في المنزل، وأنهم حافظوا عليها وتناقلوها بين الأجيال بشكل شفهي، وفي نفس الوقت يتكلم العربية بطلاقة، يحبها وحريص على سلامتها. كان إذا قاطعه أحدهم على الهاتف، يرد عليه بالأمازيغية، ثم يعود معي مباشرة لنكمل الحديث بالعربية.
كان يتمنى للجزائر كل خير، وفضل إعطاءها حقها من المحاولات، قبل أن يفشل ويعزم على الخروج منها في السنوات الأخيرة، لكن لم يُكتب له ذلك.
نظرته لجزائر أفضل
لا أريد التكلم على لسانه، لكني أعتقد أن لدي ما يكفي لإيصال بعض أفكاره وما يأمله لجزائر أفضل.
- كان يوغرطة يعتقد أن لدينا شحا كبيرا في المحتوى، العربي عموما والجزائري خصوصا، وأقصد بالمحتوى، المحتوى الكتابي الدسم خاصة.
- لم يكن يرى بأن ما ينشر على الشبكات الاجتماعية يعتبر من المحتوى، خاصة ممن يُطلق عليهم Influencers، ربما مع بعض الاستثناءات فقط.
- لم يكن يحب الكتابة باللهجة الدارجة أو العربيزي ولا يشجع على ذلك.
- في ما يخص موجة الشركات الناشئة، لم يكن يرى أن ما نحتاجه حاليا هو بالضرورة نسخ لأفكار الشركات الناشئة، هذا المقال يلخص نظرته، لكن بسبب عزوفنا عن الموضوع في آخر أيامه لست أدري إن تغير شيء في رأيه حول الموضوع.
- كان ما يرى هو حل للمشاكل الفعلية، خاصة التي تواجهها الإدارات والشركات الأخرى (B2B)، والمساهمة في إرساء بنية تحتية وبيئة عمل جيدة. أما في سياق الشركات الناشئة، فكان يعتقد أن B2C صعب في الجزائر إذا أردنا إلصاق وصف “شركة ناشئة” للمنتوج، ربما لغياب وسائل الدفع السَلِسَة التي تحقق تعريف “الشركة الناشئة = النمو (Growth)” كما يعرفها Paul Graham.
- ككثير من الشباب، عانى من ازدواجية سعر الصرف، والانغلاق الذي تعانيه الجزائر وبنوكها لجلب العملة الصعبة التي يسترزق بها كل من يعمل عن بعد من الجزائر. كانت لديه الكثير من الأفكار والمشاريع الموجهة للسوق العالمية، لكن لم يستطع إخراجها كمنتوج جزائري.
في الأخير هذا ما يمكنني إخباركم به علنا، من باب اذكروا محاسن موتاكم، صعب جدا تلخيص عقد من الزمن في تدوينة، لكني آمل أن أكون قد أعطيت نظرة أفضل عنه وعن مسيرته.
لا تنسوا أخوكم من الدعاء له بالرحمة والمغفرة، وأن يُنبت ابنته نباتا حسنا.